قال عمر بن عبد العزيز: (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء)

الأحد، 4 ديسمبر 2011

أسباب صلاح الأولاد


أسباب صلاح الأولاد

الجمعة 18-10-1432هـ

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، جعل صلاح الأولاد قرة عين للوالدين بالحياة وبعد الممات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وما له من الأسماء والصفات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله حث على تربية الأولاد على الصلاة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي المناقب والكرامات، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد، أيها الناس اتقوا لله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].

عباد الله، إن الأولاد مسؤولية ثقيلة في أعناق والديهم، ولذلك كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يدعون الله بصلاح الذرية قبل حصولها، قال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100]، وقال زكريا عليه السلام: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران:38]، ثم إن الأولاد يحصلون بين الزوجين، فمن أعظم مقاصد الزواج إنجاب الذرية الصالحة، ولذلك عند الخِطبة يجب على الزوج أن يختار الزوجة الصالحة، قال صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وقال عليه الصلاة والسلام: "إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته - وفي رواية – وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير"، فالخاطب لا ينظر إلى منصب المرأة ونسبها فقط، ولا ينظر إلى جمالها، ولا ينظر إلى مالها، وإنما ينظر إلى صلاحها ودينها، لأن الركيزة للذرية الصالحة، وهي الحرث للزوج، يضع فيها ذريته، تكون منبِتاً صالحاً ولا تكون منبِتاً سيئاً، هذا عند تأسيس الأسرة، فإذا رزق الله الأولاد فقد جاء في الحديث أن " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه – أي يجعلانه يهودياً – أو ينصرانه أو يمجسانه"، فالوالدان إذا كانا خبيثين فاسدين فإنهما يغيران فطرة المولود التي هي دين الإسلام إلى الأديان المنحرفة، أما إذا كان الوالدان صالحين فإنهما ينمَّيان هذه الفطرة ويحافظان عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع"، كل هذا محافظة على فطرة المولود، وعلى تنشأته على الصلاح، والاستقامة، والتمسك بدين الإسلام حتى يكون قرة عين لوالديه، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، فالولد يدعو لوالديه إذا كان صالحاً، الولد الصالح  يخلف والديه في بيته، وفي ذريته، وفي أخواته، وقريباته، فيحافظ عليهن، الولد الصالح يدعو لوالديه مع دعائه لنفسه، (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح:28]، الولد الصالح يقوم بالحقوق التي مات الوالد وهي في ذمته مثل سداد الديون التي عليه للناس، تنفيذ الوصايا، وغير ذلك، فالولد خليفة الوالد، فلذلك يجب على الوالد أن يعتني بصلاح ولده، لا يقل أحدكم الصلاح بيد الله، نعم، الصلاح بيد الله، ولكن الصلاح له أسباب، لا يأتي الصلاح بدون أسباب، فلا بد أن تقوم بالأسباب للصلاح حتى يصلحه الله، أما إذا أهملته وتركته وقلت الصلاح بيد الله فقد فرَّطت وضيعت الأمانة، اتقوا الله عباد الله ونحن الآن في مطلع العام الدراسي الجديد وأنتم تحرصون على دخول أولادكم في المدارس للدراسة، وهذا شيء طيب، فالدراسة مطلوبة، الدراسة النافعة في الدين والدنيا مطلوبة، والولد الذي لا يدرس وينفصل عن الدراسة يضيع ويسيب، فلا مجال في هذا الوقت لغير المتعلم، وغير الدارس، وإذا أخفق الولد في الدراسة أخفق في جميع أموره، وصار عالة على والديه، بل يكون عالة على المجتمع، وربما ينخرط مع جماعات الفساد والإفساد من أصحاب المخدرات وأصحاب الأفكار المنحرفة، كل هذا بسبب إهمال الوالد، فالدراسة الصالحة في الدين والدنيا شأنها عظيم، ونفعها عظيم، فلا تفرطوا فيها واختاروا لأولادكم المدارس الصالحة بمديرها ومدرَّسيها، وتعاونوا معهم على مراقبة أولادكم، فإذا لاحظ المدرس أو المدير على أحدٍ من الأولاد انحرافاً أو سلوكاً سيئا فإنه يخبر والده ليتعاون معه في إصلاح هذا الخلل وضبط هذا الطالب، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، هذا جانب الدراسة، وهناك جانب أهم وهو جانب الدين، نشئوا أولادكم على عبادة الله المحافظة على الصلاة مع الجماعة بالحضور في المساجد في طلب العلم حضور دروس العلم في المساجد، محاضرات، وغير ذلك مما فيه فائدة لهم ليتزودوا مع دروسهم ومع معلوماتهم في المدارس أيضاً المساجد يا عباد الله المساجد مدارس، هي أهم المدارس، هي أهم من المدرسة المعروفة فالمساجد هي المدارس في الحقيقة التي تربي الأولاد على طاعة الله وعبادة الله وعلى تحصيل العلم النافع والقدوة الصالحة، فحافظوا عليهم في المساجد، لا تضيعوهم، لا تتركوهم ينامون، لا تتركوهم يلهون ويلعبون، أحضروهم معكم في المساجد ليتربوا على الطاعة ليألفوا المساجد ليروا إخوانهم المسلمين صفوفاً يصلون خلف إمامهم يدعون الله ويذكرون الله يتلون القرآن، فحافظوا على أولادكم، هذا إذا كانوا ذكوراً، أما الإناث والبنات وهن أصعب، البنات اليوم أصعب من الذكور، لأنهن صِرن يخرجن إلى المدارس، يخرجن إلى الوظائف، وإلى الأعمال، فحافظوا عليهن عند خروجهن، لا يخرجن متجملات، لا يخرجن سافرات، لا يخرجن متهتكات، اضبطوهن بالستر، والحياء، والحشمة، لا تركب الواحدة مع سائق غير محرمٍ لها، لأن هذه خلوة محرمة، وكم حصل بسبب ركوب البنت مع السائق الذي ليس من محارمها، كم حصل من الكوارث والفساد، فاتقوا الله عباد الله، حافظوا على أولادكم ذكوراً وإناثاً، لأنكم مسئولون عنهم أمام الله سبحانه وتعالى، ولأن فسادهم خسارة عليكم في الدنيا والآخرة، فاتقوا الله عباد الله، حافظوا على ذرياتكم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور:21]، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق